متى تنتهي الحروب؟ غزة نموذجًا للصراع المستمر بلا نهاية

المؤلف: محمد مفتي11.22.2025
متى تنتهي الحروب؟ غزة نموذجًا للصراع المستمر بلا نهاية

استرعى انتباهي قبل أيام، وأنا أتصفح بعض القنوات الفضائية، إحدى مباريات المصارعة الحرة، حيث سعى كل مصارع ببسالة إلى تحقيق الفوز عبر توجيه ضربة قاضية مدمرة لخصمه. استمر النزال فترة لا بأس بها، وتخلله انضمام مصارعين آخرين من كلا الفريقين، ليشتد الصراع. تبادل الفريقان الضربات وسط تفاعل هستيري من الجمهور المتحمس، وقبل أن أنتقل إلى قناة أخرى، لاحظت تصاعد وتيرة العنفوان بين الفريقين، خاصة بعد التحام جميع الأعضاء، مما أفقد الحكم السيطرة تمامًا على مجريات الأمور!

على الرغم من أنني لست من عشاق هذا النوع من الرياضات العنيفة، إلا أنني أبحرت بفكري قليلًا فيما يحدث في أتون الحروب. إن ما يحدث في حلبة المصارعة ليس سوى نموذج مصغر للنزاعات المسلحة بين الدول، وصورة طبق الأصل للحروب الأهلية التي تمزق أوصال الدول من الداخل. ففي خضم تلك الصراعات، تقوم أطراف خفية أو معلنة بتزويد كل طرف بالأسلحة والعتاد اللازم، مما يطيل أمد النزاع ويحول دون تمكن أي طرف من توجيه الضربة القاضية الحاسمة لخصمه، لإنهاء الحرب. ولا ننسى وجود جمهور متحمس لكل طرف من أطراف النزاع، وإن كان لا يقدم السلاح أو المال، إلا أنه يستمتع بانتصارات فريقه وهزائم خصمه.

إن ما يجري في عالمنا المعاصر من حروب هو تجسيد حي لهذا النوع من الصراعات التي لا تبدو لها نهاية في الأفق. فالحرب الروسية الأوكرانية، على سبيل المثال، دخلت عامها الثالث دون أي بشائر لحل الأزمة، والحرب الأهلية في السودان، التي استمرت لأشهر عديدة، استنزفت قوى الطرفين المتناحرين، وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا الأبرياء، وتدمير شامل للبنية التحتية. وما ترتكبه إسرائيل في غزة، في ظل مقاومة باسلة من الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المسلوبة، يكاد يقترب من إكمال عام كامل من الحرب الدامية. وفي ظل هذه الحروب الطاحنة، يبدو مجلس الأمن الدولي عاجزًا عن التدخل، أو هكذا تريده بعض الدول ذات النفوذ، لتبقى الأزمات مشتعلة إلى أن تنهك جميع الأطراف، ثم تلجأ إلى الحكمة وصوت العقل.

تساؤل ملح ظل يراودني وأنا أتأمل الأحداث المأساوية التي يشهدها العالم، وأسترجع في ذاكرتي مرارة الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام عجاف، وخلفت وراءها أكثر من مليون قتيل وملايين الجرحى، وأنهكت اقتصاد البلدين، بعد أن استنزفت مواردهما المالية الثمينة لتصب في خزائن شركات تصنيع الأسلحة. وفي نهاية المطاف، عاد كل طرف إلى نقطة البداية. والتساؤل الذي يفرض نفسه هو: إذا لم تكن هناك ضربة قاضية للخصم، فمتى ستضع الحرب أوزارها؟ والجواب الشافي هو أنها ستنتهي عندما يتفق الطرفان المتنازعان، بنية صادقة، على إنهاء الاقتتال. فالحرب العراقية الإيرانية لم تنته إلا عندما أدرك النظامان العراقي والإيراني أن الحرب قد دمرت بلديهما، وأن هناك قوى أخرى مستفيدة من هذا الصراع الدامي.

أما السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة على مسرح الشرق الأوسط المشتعل، فهو متى ستنتهي حرب غزة؟ فالأحداث الجارية لا تبعث على التفاؤل في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة تسعى جاهدة إلى إطالة أمد الحرب إلى أقصى حد ممكن، وتستهدف استغلال الظروف الراهنة لإعادة رسم خارطة المناطق المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فالحكومة المتطرفة تعلن على الملأ سيطرتها على مناطق فلسطينية محتلة في الضفة وضمها إليها، بدعم سافر من الكنيست الإسرائيلي الذي رفض مؤخرًا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعني ضمنيًا إلغاء اتفاقية أوسلو من طرف واحد. ومن الواضح أن الحكومة المتطرفة تهدف حتى إلى تصفية السلطة الفلسطينية وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين تحت وطأة الحرب.

في ظل الاتهامات المتبادلة بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية، اتهم البعض رئيس الوزراء نتنياهو بأنه يعرقل صفقة تبادل الأسرى. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تولي قضية الإفراج عن الأسرى أي اهتمام يذكر. ولعل تصريح نتنياهو بأن وقف الحرب ليس مطروحًا على طاولة المفاوضات، حتى لو تم استعادة الأسرى، لهو خير دليل على أن الحرب لها أهداف تتجاوز مجرد الإفراج عن الأسرى. فالقضية ليست مجرد تبادل أسرى، بل هي قضية إبادة جماعية لشعب أعزل، وإعادة رسم خريطة إسرائيل بعد ضم الأراضي الفلسطينية إليها، على الرغم من إدانة محكمة العدل الدولية لهذه الممارسات اللاإنسانية، وفي ظل تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.

لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل النفوذ الإسرائيلي المتغلغل في العالم الغربي، ومساعيهم الحثيثة للحصول على الدعم للمجازر المروعة التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو على الأقل مطالبة تلك الدول بعدم تأييد أي قرارات أممية تهدف إلى إنهاء الحرب. وفي المقابل، تعتبر إسرائيل قاعدة إستراتيجية متقدمة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وتربط بين الشرق والغرب. لذلك، لا تلوح في الأفق أي بوادر لوقف الحرب قريبًا، بل على العكس، تعتبر هذه الحرب بمثابة الفرصة الذهبية التي تنتظرها إسرائيل لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أطلال غير صالحة للعيش، مما يمهد الطريق أمام الاستيطان اليهودي في المستقبل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة